توجيهات تربوية

توجيهات تربوية

-- د. عيسى صالح الحر مستشار شؤون شبابية ومرشد تربوي وأسري --

رغم عدم وجود تعريف دولي متفق عليه لفئة الشباب، إلا أنَّ الكثير من المنظمات تحصر تلك المرحلة من 14 إلى 24 سنة، كما أنهم يعرفونها بأنها: المرحلة التي بين الطفولة والرشد، ورغم اختلاف التعاريف والفئة العمرية إلا أنَّه من المؤكد أنَّ الإنسان في مرحلة المراهقة والشباب يمر بتغيرات جسدية ونفسية وعقلية كبيرة جدًا وتختلف من مجتمع لآخر، كما أنها تختلف من أسرة لأخرى، ومن جنس لآخر، وهنا تكمن خطورة الموضوع، حيث لا توجد وسائل محددة تنطبق على كل الشباب من الجنسين، بحيث يمكننا احتواء هذه المرحلة أو حتى تحديد ما يمر به الشاب خلالها من تغيرات ومؤثرات، ولا أريد الاستطراد كثيرًا في هذا السياق الأكاديمي بقدر ما أريد تسليط الضوء على قضية المقالة وهي "أنا مجرد شاب".

في هذه المرحلة التي وصفناها وأثناء هذه التغيرات التي تحدث للشباب في هذه المرحلة وقبلها بقليل نجد بعض المجتمعات تنظر للشباب بداخلها بنظرة ريبة وشك، مستندة على الدراسات التي تثبت التغيرات العقلية والجسدية والنفسية التي يمر بها الشباب في هذه المرحلة، ويذكرني موقف المجتمع هذا بالمقولة المشهورة "كلمة حق أريد بها باطل"، فبعض المجتمعات تتعامل مع الشاب على أنَّه متهم حتى يثبت العكس، فإنْ أراد الخروج من المنزل وجد الوالدين في ريبة من أمره، لتبدأ مرحلة التحقيق:

أين تذهب؟

مع من سوف تذهب؟

ماذا سوف تعمل؟

من معكم من الأصدقاء؟

لماذا هذا المكان بالذات؟

كيف أعرف صحة ما ذكرت وبأنك لا تكذب علي؟!

فهو يجد نفسه في موضع شك وريبة وسوء ظن حتى يثبت عكس ذلك، وما أصعب أنْ يثبت ذلك أمام أب أو أم يظنان الأصل في ابنهما أو ابنتهما هو الكذب والمماطلة وإخفاء الحقائق، وليت الأمر يقف على موضوع الخروج فحسب، ولكنَّ الأمر يتكرر عدة مرات في اليوم الواحد، فهو تحت ذات الحكم المسبق في المدرسة، وفي علاقاته مع أصدقائه، وفي استخدامه للتكنولوجيا، وفي الكتب أو المجلات التي يطَّلع عليها، وفي المواقع الإلكترونية التي يزورها، وفي الاتصالات التي ترد إليه، وفي الكلمات التي يستخدمها أو الألعاب التي يلعب بها،.... إلخ، فلا يكاد يخلو جانب من جوانب حياته إلا ويمسه الشك وسوء الظن والمراقبة والتجسس والتحسس بصورة يظن الشاب من خلالها أنَّه ليس أهلًا للثقة، وليس أهلًا للقيم التي تربَّى عليها.

وهناك جانب آخر من المجتمع نجده يدفع الشباب للخطأ بصورة واضحة، فهذا شاب يرفض الالتزام بالقوانين، وآخر يسيء لنفسه وللآخرين، وثالث لا يقبل تحمل أي مسؤولية، وآخر اتكالي، وغيره يتأثر بكل موجة قد تمر عليه من الانحلال والإباحية والإلحاد، وغيرها من أمور تدمر الإنسان، وكل هذا مبرر بحجة مجتمعية غريبة بأنَّه في مرحلة الشباب أو المراهقة، وكأننا ندفعه للخطأ دفعًا، بل ونستبق ذلك بوضع العذر المتكرر مسبقًا بأنه مراهق فلا لوم عليه.

ليقف الشاب المسكين بين نارين يفرضهما المجتمع عليه بوعي أم بدون وعي، فإمَّا أنْ يكون ذلك الشاب المُراقَب والمتهم والمذنب وما ينعكس من ذلك على شخصيته المهزوزة ويصبح غير واثق ومتردد وفاقد الثقة بنفسه وفي المجتمع وفي من حوله، أو يكون ذلك الشاب المتهور أو المندفع الذي يكرر الخطأ مرة وثانية وثالثة وربما دمر حياته وحياة الآخرين، وما ينعكس على ذلك من آثار مأساوية على الشاب نفسه وعلى المجتمع من حوله.

وهنا من حقنا الوقوف للحظات لنتساءل: إنْ كانت مرحلة الشباب تبدأ كما ذكرنا من سن 14 سنة، فأين القيم والأخلاق والمبادئ التي تربى عليها هذا الشاب منذ ولادته وحتى عمر 14 سنة؟ أين أثرها على سلوكه وأفكاره؟ أين جوانبها؟ أين قدراته ومهاراته التي صقلت لأكثر من 14 سنة؟ فإنْ لم تخرج آثارها في هذه المرحلة فلماذا نرهق أنفسنا في التربية والرعاية كل هذه السنوات؟ ولماذا نبني قصورًا في المستقبل وأسس هذا المستقبل قد تدمر أو تهدم خلال هذه المرحلة التي تدعى بالمراهقة؟ تأمل هذه الاسئلة جيدًا، وراجع قيمك ومواقفك وانطباعاتك عن مرحلة الشباب.

وهيا نتناول محاور الشخصية المعتدلة للشاب والتي تم تربيته عليها وزرع القيم والأخلاق والمبادئ في داخله منذ الولادة وحتى بلوغ مرحلة الشباب، ولكي لا نظلم أي طرف في قياس مفهوم الاعتدال والرشد سوف نضع معايير نسير عليها، ويمكنك من خلالها قياس أثر تربيتك على أبنائك قبل وأثناء مرحلة الشباب، وسوف تعتبر هذه المعايير مرجعًا جيدًا لكل من يحب قياس مدى تأثير تربيته على شخصية أبنائه الشباب، ولذلك فمن المهم أنْ نُهيئ أبناءنا لمرحلة الشباب قبل دخولهم فيها، فما الفائدة من رخصة القيادة بعد وقوع الحادث، بل أهميتها تأتي لتجنب وقوع الحوادث، وكذلك مرحلة الشباب، فمن المهم تهيئة وتمكين الشباب من المهارات والقدرات قبل دخول المرحلة مما سوف يساعدهم على تخطيها بشكل إيجابي ومثمر، ولكي ننتقل إلى الجانب العملي ندعوك لتحديد مستوى القدرات والمهارات التي دربت عليها أبناءك قبل مرحلة الشباب، من خلال تحديد مستوى التعلم لكل مهارة من (0 إلى 10) ، 0= لا يوجد تعلم للمهارة، 10 = تعلم عالي للمهارة، نحتاج أيضًا منك الشفافية العالية لتتمكن من الوقوف على واقع مهارات وقدرات أبنائك.

من خلال هذا التقييم البسيط والعام تستطيع وضع إطار عام لتقييم تربيتك لأبنائك والإجابة عن أهم سؤالين يقف أمامهما الوالدان في حيرة وهما:

1. هل أبنائي مؤهلين للدخول في مرحلة الشباب؟

2. هل سوف يجتازون هذه المرحلة بسلاسة؟

من خلال هذا التقييم البسيط والعام تستطيع وضع إطار عام لتقييم تربيتك لأبنائك والإجابة عن أهم سؤالين يقف أمامهما الوالدان في حيرة وهما:

بل ولو استطعت أنْ ترفع نسبة الشفافية والوضوح الشخصي لك سوف تعرف أين جوانب النقص لأبنائك؟ وأي المحاور يجب أنْ تعمل عليها لتهيئة أبنائك لهذه المرحلة؟ كما أنك تستطيع أن تكتشف الآن لماذا أثرت مرحلة الشباب في أبنائك من جانب ولم تؤثر عليهم من جانب آخر؟ وأي الجوانب التي قد تسبب خطورة لأبنائك؟

لا يستطيع أحد إنكار حب الوالدين لأبنائهما ومحاولة صقل مهارتهم وإخراجهم بأفضل صورة للمجتمع، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى وعي من الوالدين باحتياجات هذه المرحلة وتهيئة الأبناء لها، فلو لم يكن الوالدان على وعي بأهمية المحاور الإحدى عشر التي ذكرناها فلن يكون من المستغرب أبدًا عدم تمكين الأبناء من هذه القدرات والمهارات، وفي المقابل لنْ يكون مستغربًا سقوط أحد الأبناء أمام العقبات والتحديات التي سوف يواجهها أمام أحد هذه المحاور التي لم يتمرس ويتمكن من صقل مهاراته وقدراته عليها، فمثلًا لو كان الابن ضعيف في قدرته على بناء علاقات جيدة فلن يكون مستغربًا أنْ يكون له أصدقاء سيئين أو مفسدين في المجتمع، كما لن يكون مستغربًا انطواءه على نفسه أو على عدد محدود من الأصدقاء، ولن يكون مستغربًا إذا رفضه أفراد المجتمع أو هو رفض المجتمع، فكل هذه الاحتمالات والسلوكيات والنتائج واردة وطبيعية جدًا في حالة فقد الابن لقدرة واحدة فقط وهي قدرته على بناء علاقات فكيف إذا كان يفقد أكثر من قدرة وأكثر من مهارة في آن واحد، تخيل كيف ستكون النتائج متداخلة متشعبة لتصنع شخصية تنهزم أمام التحديات وتسقط أمام العقبات، ولديك الوقت لتتخيل حالة هذا الابن النفسية والفكرية والاجتماعية كيف ستكون.

ونحن في هذا المقال نحاول العودة إلى المسار المعتدل في تربية الأبناء والمرور بمرحلة الشباب بكل يسر وسلاسة محصنين أبناءنا بالقيم والأخلاق والمبادئ التي تربوا عليها طوال 14 سنة الأولى، وقادرين على خوض التجربة بالمهارات والقدرات والخبرات التي اكتسبوها خلال ذات الفترة، ليكون هذا الابن أو البنت في مرحلة الشباب بفطرته وطبيعته قائلًا: "أنا مجرد شاب".