لو سألك شخص: من أنت؟
فما هو جوابك؟
هل ستقول: لا أعلم من أنا؟
أم ماذا؟
إذًا.. ما هو الجواب الصحيح؟
الحقيقة التي تغيب عن كثير من الناس، وأخص هنا المسلمين، فأنت أيها المسلم لست كغيرك من أهل الديانات الأخرى، ولست أقول هذا من فراغ أو من مشاعر فياضة لحبي للإسلام واعتزازي بانتمائي للإسلام -وإن كنت لا أنكره- إلا أنَّ كلامي هذا يخرج من تجارب على مر القرون والعصور الماضية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إنَّ الأمة الإسلامية تستطيع أن تحصد من العلوم في سنوات قليلة، ما يحصده غيرهم في عدة قرون".
فأنت أيها المسلم لديك الكثير بما وضعه الله فيك من إمكانيات هائلة وقدرات عظيمة، وبما خصك به قبل ذلك وهو أنَّك مسلم، فتوكلك على الله، واستعانتك به -سبحانه-، من أوسع أبواب التوفيق والسداد لكل خير ونفع، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي ﷺ في الحديث القدسي: "يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً "، فلو احتسبتم أخوتي في الدين عِلمكم وعَملكم وقدرتكم وطاقتكم، ونِعَم الله عليكم، في أنفسكم ودينكم وأمتكم، لوجدتم من الله التوفيق والسداد من حيث لا تدرون، ولأجرى الله -تعالى- على أيديكم ما لا يخطر لكم على بال.
فلننظر إلى النحلة، تلك المخلوق الضعيف الصغير الحجم، العظيم الهمة، المتبع لأمر الله ووحيه، تأمل كيف تذهب آلاف الأميال بعيدًا عن خليتها، ثم تعود من وراء البحار والقفار، تعرف طريقها، فلا تضل ولا تغفل، فترجع إلى خليتها، فمَّن علمها وهداها وأرشدها لما فيه الخير؟ إنَّه الله -سبحانه وتعالى-، قال ربُّ العزة: ﴿وَأَوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذي مِنَ الجِبالِ بُيوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمّا يَعرِشونَ ﴿٦٨﴾ ثُمَّ كُلي مِن كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخرُجُ مِن بُطونِها شَرابٌ مُختَلِفٌ أَلوانُهُ فيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ ﴿٦٩﴾ [سورة النحل].
(وَأَوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحلِ): ألهمها الله -تعالى- وأرشدها أن اتخذي لك بيوتًا في الجبال، وبيوتًا في الشجر، وفيما يبنيه الناس ويسقفونه، ثم كلي من كل ما تشتهيه من الثمرات، واسلكي سُبل ربِّك مذللة لك، فيخرج من بطون النحل عسل مختلف الألوان والأنواع، فيه شفاء للناس، يعالجون به الأمراض، وفي هذا دلالة على قدرة الله -تعالى-، وتدبيره لشؤون خلقه لقوم يتفكرون، فهم الذين يعتبرون ويتعظون .
وأنت أيها الإنسان لقد أعطاك الله -سبحانه- وكرَّمك، وهيَّأك للاستخلاف في الأرض، لتحكم فيها بأمر الله وشرعه، فإذا كنتَّ خُلقت للاستخلاف في الأرض، فأنت مطالبٌ بالعمل، لا انفكاك لك عنه، فامض حيث أمرك الله، فاسع للعلم وامش في مناكب الأرض داعيًا للخير، ساعيًا لنفع المسلمين وخدمة الإسلام.
فأنت أيها الإنسان المسلم إذا التزمت أمر الله ولجأت إليه وتوكلت عليه، واتقيته حق تقاته، ثم أخذت بالأسباب، فاعلم أنَّك الكنز المنشود لحمل هذه الأمة وقيادتها، وقد وعدك الله بهذا في قوله: ﴿وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٥٥﴾ [سورة النور].
فلتكن أنت (الراحلة)، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً ".
قال الخطابي -رحمه الله-: " إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَهْلُ نَقْصٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْفَضْلِ فَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِل الحمولة، وَمِنْه قَوْله -تَعَالَى-: {وَلَكِن أَكثر النَّاسِ لَا يعلمُون} .
وهذا ما أشار إليه البخاري إذ أدرج هذا الحديث تحت باب: (رفع الأمانة).
وها هو الفاروق بن الخطاب -رضي الله عنه-، يتمنى أن تمتلئ الأرض برجال أقوياء أكفّاء، وليس ذكورًا لا يعرفون للعزة معنى وغاية.
وقد جاء في فضائل الصحابة: أَنَّ عمرًا -رضي الله عنه- قَالَ يَوْمًا لِمَنْ حَوْلَهُ: تَمَنَّوْا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا فَأَنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: تَمَنَّوْا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ لَؤْلُؤًا أَوْ زَبَرْجَدًا أَوْ جَوَهِرًا، فَأَنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: تَمَنَّوْا، فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ عُمَرُ: "أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ رِجَالًا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ".
فهكذا كانت همم الصحابة -رضي الله عنهم-، سعيهم وغايتهم رقي الأمة وسعادتها، وكان عمر -رضي الله عنه-، يُدرك معادن الرجال وأهميتهم.