مصنعك الخاص

مصنعك الخاص

-- كوثر سامي عبد الرحيم التايه --

ماذا سيكون شعورك لو أنَّك امتلكت مصنعًا كبيرًا ناجحًا متميزًا في إنتاجه، جديدًا في منتوجاته، فريدًا في أنموذجه، تتسابق إليه جميع الأسواق، راجية أن تبيعها بالسعر الذي تطلب، فعلا شأنه، وانتشر صيته، ونما رصيده، ومع هذا فأنت مطمئن أنَّ هذا المصنع لن يزول، ولن يخبو بريقه، بل سيزداد اتساعه، ويتضاعف إنتاجه حتى بعد موتك، مع أنَّك حقيقة لن تضع عليه وكيلًا ولا وصيًا.

لا بُدَّ أنَّك الآن تتساءل: وأنَّى لي مثل هذا المصنع الذي ما سمعت عنه حتى في قصص الخيال؟!

ولكني أقول لك أنَّ هذا المصنع هو بيتك، نعم بيتك، رعيتك وأسرتك وذريتك.

وقبل أنْ تستغرب اسمع معي هذا الحديث النبوي الشريف:

عن أبي هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له ".

فالولد بالإضافة إلى كونه قرَّة عين للوالدين، هو باب عمل وحسنات للوالدين، ولذا كان من دعاء الصالحين، أن يهب الله لهما الذرية الصالحة، فتقر أعينهما بهم في الدنيا، ويكونوا لهم صدقة جارية بعد وفاتهم، وهذا شأن الكَيِّس الفَطِن، الذي يسعى للخير في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴿٧٤﴾ [سورة الفرقان].

والذرية الصالحة تكون عونًا للوالدين على متاعب الحياة ومكاره الدهر، ولا سيما عند بلوغ الأهل الكبر، وإصابتهم بالعجز عن العمل، فإنَّ من سعادة المرء أنْ يكون له ولد يستعين به، لأنَّ الولد الصالح الذي ينشأ على التعاليم الإسلامية، يجرُّ الحسنات إلى أهله بعد موتهما من خلال أعماله الخيِّرة ودعائه لهما، قال النووي في شرح مسلم: "معنى الحديث أنَّ عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها، فإنَّ الولد من كسبه، لأنَّ الوالدين هما اللذين يربيان ويعلِّمان ويتابعان وينشئان، فإذا صلحت البذرة والرعاية صلح الزرع وأتى أكله " . قيَّد الولد بالصالح لأنَّ الأجر لا يحصل من غيره، فالمسلم الذي يؤدي الفرائض ويجتنب الكبائر، يعتبر ولدًا صالحًا يصل ثواب دعائه لأبويه، وفائدة تقييده بالولد مع أنَّ دعاء غيره ينفعه، هو تحريض الولد على الصلاح والدعاء لأبويه، وقيل إنَّ كل عمل صالح يعمله الولد يلحق ثوابه لأبويه ولو لم يدع لهما.. والظاهر أنَّ المقصود بالولد الأبناء المباشرون وغير المباشرين -كالأحفاد- لأنَّ الجميع يسمى أولادًا للميِّت، فإنتاج مصنعك الخاص يمتد لأجيال وقرون، فانتبه، وأحسِن زرعك ليصلح لك إنتاجك.