حالي حال الناس...
لست أنا فقط من يفعل هذا، بل كل الناس تفعل...
أحرام عليّ وحلال على غيري؟
وهل أترك هذا فأكون غريبًا بين الناس؟!
هذه الجمل ومثلها نسمعها كثيرًا عندما ننصح الآخرين أو ندعوهم إلى عمل صالح نساه الناس وتجاهلوه، ولكم يستوقفني كثيرًا هذا الكلام!
وسؤال يلح في عقلي: هل هذه إجابة أقدمها لربِّ العزَّة لأبرر خطئي عندما يسألني ربُّ العزَّة -ليس بيني وبينه ترجمان- يحاسبني على كل صغيرة وكبيرة، في كتاب أحصاه الله ونسيناه، قال -تعالى- عن حال المشركين يوم القيامة إذ رأوا كل ما فعلوه قد أحصاه الله عليهم، قال -تعالى-: ﴿وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرَى المُجرِمينَ مُشفِقينَ مِمّا فيهِ وَيَقولونَ يا وَيلَتَنا مالِ هـذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحصاها وَوَجَدوا ما عَمِلوا حاضِرًا وَلا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴿٤٩﴾ [سورة الكهف].
عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-، قالت: "أَتَيْتُ عَائِشَةَ وهي تُصَلِّي فَقُلتُ: ما شَأْنُ النَّاسِ؟ فأشَارَتْ إلى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلتُ: آيَةٌ؟ فأشَارَتْ برَأْسِهَا: أيْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أصُبُّ علَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: ما مِن شيءٍ لَمْ أكُنْ أُرِيتُهُ إلَّا رَأَيْتُهُ في مَقَامِي، حتَّى الجَنَّةُ والنَّارُ، فَأُوحِيَ إلَيَّ: أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في قُبُورِكُمْ - مِثْلَ أوْ - قَرِيبَ - لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ - مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ ما عِلْمُكَ بهذا الرَّجُلِ؟ فأمَّا المُؤْمِنُ أوِ المُوقِنُ - لا أدْرِي بأَيِّهِما قالَتْ أسْمَاءُ - فيَقولُ: هو مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بالبَيِّنَاتِ والهُدَى، فأجَبْنَا واتَّبَعْنَا، هو مُحَمَّدٌ ثَلَاثًا، فيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قدْ عَلِمْنَا إنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بهِ. وأَمَّا المُنَافِقُ أوِ المُرْتَابُ -لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ- فيَقولُ: لا أدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ "
إنَّه يخوض مع الناس كيفما خاضوا، يعيش مع التيار أينما يوجهه، لا يبالي أوقع في الحرام أم الحلال، ونسي أو تناسى أنَّه سيحمل وزره وحده، ولن يستطيع دفعه ورفضه، قال -تعالى-: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ ﴿١٨﴾ [سورة فاطر].
فما شأنك والناس، أعطاك الله كتابًا فيه خيري الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴿٤٢﴾ [سورة فاطر].
فاجتهد لتعلّم كتاب ربّك وهدي نبيه ﷺ، ولا تعش مع الناس وللناس، بل عش لربِّ الناس، فالمؤمن متميز، والمنافق يتلون، فكن متميزًا بدينك، بعقيدتك، بانتمائك لإسلامك، واقتدائك بنبيك، وإن خالفك الناس.
قال محمد بن أسلم -رحمه الله-: "مالي ولهذا الخلق، كنت في صلب أبي (وحدي) ثم صرت في بطن أمي (وحدي)، ثم تقبض روحي (وحدي)، ثم أدخل قبري (وحدي)، ثم يأتيني الملكان يسألاني (وحدي)، فإن صرت إلى خير (وحدي)، وإن صرت إلى شر (وحدي)، ثم يوضع عملي وذنوبي في الميزان (وحدي)، فمالي والنَّاس، لن أعمل لأجل ما يقولون، ثم أحاسب (لوحدي)، وربي لحظة خلقني لم يأخذ رأي الناس".
قال -تعالى-: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ إِلّا آتِي الرَّحمـنِ عَبدًا ﴿٩٣﴾ لَقَد أَحصاهُم وَعَدَّهُم عَدًّا ﴿٩٤﴾ وَكُلُّهُم آتيهِ يَومَ القِيامَةِ فَردًا ﴿٩٥﴾ [سورة مريم].
فتدَّبر...