كثيرة هي شكاوى الوالدين من أبنائهما فترة المراهقة، حتى أصبحت الجملة التي اعتادت عليها الألسن: (فترة مراهقة، أعاننا الله)، ولكن ما هي المراهقة؟
وهل حقًا المراهقة هي الفترة التي تجعل من أبنائنا أسودًا تهاجم من حولها؟ أم أنها مظلومة في كل الاتهامات الموجهة إليها؟
وهل من الممكن أن نضع الوالدين في قفص الاتهام لا مرحلة المراهقة؟
المراهقة عند علماء التربية
هي فترة نمو شامل ينتقل بها المراهق من مرحلة الطفولة والاعتماد على الغير إلى مرحلة الرشد والاعتماد على النفس، وهي فترة من العمر لها خصائصها التي تميزها جسميًا وعقليًّا وانفعاليًّا كباقي مراحل العمر الأخرى عندما استطاع النبي ﷺ أن يوجه صغار الصحابة نحو معالي الأمور كابن عمر وابن عباس وغيرهما من صغار الصحابة، هل سمعنا شكوى من فترة المراهقة؟
عندما خرج معاذ ومعوّذ ابني عمرة بن الجموح -رضي الله عنهم- في معركة بدر، وكانا أحداث -في زماننا مراهقين- وأرادا قتل أبي جهل، ووقف كلٌ منهما على جانبي عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، فبادر معاذ لسؤال عبد الرحمن بن عوف عن أبي جهل، فسأله عبد الرحمن: ولم تسأل عنه؟ قال: سمعت أنه يؤذي النبي ﷺ وأريد أن أقتله، فأشار إليه ابن عوف على أبي جهل، ثم فعل معوّذ كما فعل معاذ وسأل عبد الرحمن بن عوف، ليكون هذان الشبلان هما اللذين قتلا أبا جهل -عليه من الله ما يستحق-.
ولكن لا أعرف لماذا انتشر هذا المصطلح (المراهقة) في بيئتنا الإسلامية، ومع هذا فإنَّ الكثير من الآباء لا يفطن للتربية إلا بعد أن يبدأ في معاناة ومشاكل ابنه أو ابنته في مرحلة (المراهقة)، وكثير من شكاوى الآباء التربوية هي شكاوى (لمظاهر) سببها غيابُ قيم.. والأدهى من ذلك أنَّ الآباء لا ينظرون إلى سبب المشكلة وحقيقتها، بل يبحثون في حل لظاهر المشكلة، كمن يحاول أن يغلق صنبور الماء والحقيقة أنَّه يعاني من تصدع في الأنابيب!
يشكو الأب مثلًا من سهر ابنه خارج المنزل، والسبب غياب قيمة حفظ الوقت، وقيمة الجدية، وبر الوالدين..
ويشكو من هربه من المدرسة، والسبب غياب قيمة تقدير العلم والحرص عليه، والصدق..
وخلاصة الحديث أنَّ غرس القيم في وقت مبكر أولى وأسهل، فالسنوات الست الأولى هي الغنيمة الذهبية لغرس القيم عند الأطفال، ولكن الكثير من الآباء -وفقنا الله وإياهم لما يحب ويرضى-، يترك هذه المرحلة الذهبية للقنوات الفضائية ووسائل الاتصال المسموعة والمرئية من شبكة عنكبوتية وغيرها من أجهزة إلكترونية، تضع في طفله ما تشاء من سموم وأفكار هدَّامة، وعقائد مهزوزة، وأخلاق فاسدة، تخرج مظاهرها وأشكالها في فترة المراهقة، وحينها يحصدُ زرعًا فاسدًا لإهماله العناية به ومتابعته.
عندما تربت الطفلة الصغيرة على العقيدة الصحيحة وعلمت، وجوب متابعة أمر النبي ﷺ منذ نعومة أظفارها، عندما بلغت ثلاث سنوات أرادت أمها أن تقنعها أنَّ الإكثار من الحلويات يضرها فقالت: الإكثار من الحلويات يسبب زيادة الوزن وتسوس الأسنان وضعف البنية... فما كان من الصغيرة إلا أن قالت: أمي قولي: قال الرسول ﷺ أن لا نأكل الحلوى ولن آكلها، فتفكر، وأكاد أُجزم أنَّ على كل أب وأم أن يكون لديهما مخزون من حفظ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لتكون المرجعية الوحيدة للوالدين والأبناء، فتسهل التربية، وتكون التربية فيها من النصح والإرشاد، مع بيان الحجة والغرض من الأمر.
كما في حديث تمر الصدقة في الدرس الأول، والله الموفِّق لكل خير.