رحلَت.. وكسبتُ الكثير

رحلَت.. وكسبتُ الكثير

-- كوثر سامي عبد الرحيم التايه --

لا أستطيع العيش بدونها..

كل أموري تتوقف عند رحيلها..

أكاد أفقد عقلي إذالم تكن موجودة..

حتى أطفالي لا يمكنهم أن يعيشوا بدونها..

باختصار.. تنقلب الحياة رأسًا على عقب لو رحلت..

رويدك أخي القارئ، أختي القارئة، ربما ذهب ظنكما أنَّ المذكورة في السطور أعلاه هي الأم؟

أو ربما الجدة التي اعتادت أن تجتمع الأسرة حولها، وتشعر ببركتها بينهم، فيعم عليهم الخير والسعة والبركة؟

وربما ابتعدت قليلًا في خيالك فاعتقدت أن قد تكون أي فرد من أفراد العائلة؟

ولكن اسمح لي أن أهبط وإياك على أرض الواقع فأخبرك أنَّ هذه المرأة التي لا يمكن الحياة بدونها هي: (الخادمة)!

أجل الخادمة، هي الشخص الذي تضطرب به الأمور في البيت، ولماذا؟

(الخادمة) لم يَعُد وجودها ضروريًا للمساعدة في أعمال المنزل فقط -وهذا الأصل الذي لا غيره- وتتفرغ الأم للتربية والتوجيه للأطفال، ومع هذا وذاك آثرت أن أحييّ سنة نبوية مندثرة، فلربما غفل عنها الكثير من الرجال والنساء، إلا من رحم الله، وفيها من الخير الكثير، والله الموفِّق لكل خير.

فقد روى البخاري في صحيحه أنَّ فاطمة -رضِي الله عنها- شَكَتْ ما تَلقَى من أثر الرَّحَى، فأتى سبيٌ ، فانطَلقَتْ فلم تجده، فوَجدت عائشة فأخبرتها، فلمَّا جاء النبي ، أخبرَتْه عائشة بمَجِيء فاطمة، فجاء النبي إلينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبتُ لأقوم فقال: "على مكانكمافقعَدَ بيننا، حتى وجدت برد قدمَيْه على صدري، وقال"لاَ أُعلِّمكما خيرًا ممَّا سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما تُكبِّران أربعًا وثلاثين، وتسبِّحان ثلاثًا وثلاثين، وتحمدان ثلاثًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادم ".

قال العيني: "وجه الخيرية إما أن يراد به أنه يتعلق بالآخرة والخادم بالدنيا، والآخرة خير وأبقى، وإما أن يراد بالنسبة إلى ما طلبته بأن يحصل لها بسبب هذه الأذكار قوة تقدر بها على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم ".

فبعد ما يربو عن عشرة أعوام مع الخادمة، وجدت ضالتي في هذا الحديث:

  • التزمت هذه النصيحة النبوية وقررت ترحيل الخادمة وعوضني الله -تعالى- الخير الكثير، فالتزمت الذكر كل ليلة.
  • استعدت قوتي ونشاطي وحيويتي في بيتي.
  • علِّمت أبنائي أنَّ الإنسان المسلم يستطيع أنْ يكفيَ نفسَه باتكاله على ربِّه، ثم بتعاونه مع أفراد الأسرة.
  • تعلَّم أبنائي ماذا تعني النظافة الحقيقية، والتزموا بحديث الرسول ، فعن سعد بن أبي وقاص، عن النبي ﷺ، قال: "إنَّ اللهَ تعالى طيبٌ يُحِبُّ الطيبَ، نظيفٌ يُحِبُّ النظافةَ، كريمٌ يُحِبُّ الكرَمَ، جوَادٌ يُحِبُّ الجودَ، فنظِّفوا أفنيتَكم، ولا تشبَّهوا باليهودِ ".
  • علمتهم احتساب الأجر عند تنظيف المنزل، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي قال: "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ ".

وباختصار أستطيع أنْ أقول: إنَّ رحيل الخادمة لم أخسر به شيئًا، ولكنني كسبت الكثير من خيري الدنيا والآخرة، فوفقني الله للذكر قبل النوم، وكنت أجاهد نفسي عليه.