ماذا لو كان القرآن

ماذا لو كان القرآن

-- كوثر سامي عبد الرحيم التايه --

كنت أسير بسيارتي واعترضت طريقي إشارة حمراء، فوقفت كما وقفت غيري من السيارت التي شاركتني الطريق، فحانت مني التفاتة لسيارة عن يساري وكان فيها عائلة شدني فيها هدوء أطفالها، والتزامهم مقاعدهم دون حدوث ضجة -وهذا على غير المعتاد- وبدا لي أنَّ الأشخاص في السيارة لا يتحدثون معًا، وقلت: ما شاء الله، حفظهم الله، يا لهم من أطفال هادئين مؤدبين، ولكن رأيت مالم أتوقعه!

وعندها علمت سبب هذا الهدوء غير العادي!

لأنَّ كل طفل في السيارة يحمل معه جهازه الذكي الخاص، ولكن ليس ليتابع قصة مفيدة أو يسمع حكاية ذات مغزى، بل ليلعب به ألعابًا إلكترونية فيها ما فيها من ...!!

 وعندها تذكَّرت الأم التي رأيتها في المركز الصحي قبل عدة شهور ومعها طفل دون الثانية، وطفلة دون الرابعة، ولكل واحد منهما جهازه (الذكي الخاص)، ولا أستطيع كتم حزني على هؤلاء الأطفال الذين أصبح هدفهم في الحياة أجهزة إلكترونية تتحكم بعقولهم!

وزاد ألمي هؤلاء الآباء الذين أساؤوا إلى أولادهم من حيث أنهم أرادوا الإحسان (وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا) حين جعلوا عقول أبنائهم وتفكيرهم أسرى لأجهزة إلكترونية ليتها لا تنفع فحسب، بل تضر!

وتذكرت حينها قوله -تعالى-: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴿٣٠﴾ [سورة الفرقان]، فماذا لو تعامل هؤلاء الآباء مع القرآن تعاملهم مع هذه الأجهزة، فزرعوا حبه في نفوس أبنائهم، وجعلوا تعطش قلوبهم لتلاوته، ووضعوا همتهم في فهمه وتدبره، فأي عزّ حينها ينتظر الأمة؟

وروى مسلم في صحيحه: "أنَّ نَافِعَ بنَ عبدِ الحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بعُسْفَانَ، وَكانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ علَى مَكَّةَ، فَقالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ علَى أَهْلِ الوَادِي، فَقالَ: ابْنَ أَبْزَى، قالَ: وَمَنِ ابنُ أَبْزَى؟ قالَ: مَوْلًى مِن مَوَالِينَا، قالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عليهم مَوْلًى؟! قالَ: إنَّه قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وإنَّه عَالِمٌ بالفَرَائِضِ، قالَ عُمَرُ: أَمَا إنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قدْ قالَ: إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ ".

وهكذا كان توقير الرعيل الأول لكتاب ربهم في صدورهم، وكان السلف ينشئون أطفالهم على حفظ القرآن، ثم يحفظونهم الكتب الستة في السنة النبوية، وبعد أن يتِّموا ذلك يقوموا بتحفيظهم مغازي الرسول .

وبذلك يشب الطفل المسلم على وعي بكتاب ربه وسنة نبيه -صلوات ربِّي وسلامه عليه-، وهكذا حقق الإسلام تقدمه وتفرده، وازدهرت حضارة الإسلام على جميع الحضارات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وتفوقت عليها؛ وذلك بحفظ كتاب ربها والعمل بمقتضاه.

ثم خلف من بعد ذلك خلف أضاعوا هذه القيم، ولم يهتموا بكتاب ربهم، هان الله في نفوسهم، فأهانهم الله بما اقترفوا من ذنوب.

وتذكَّروا دائمًا أيها الآباء والمربين هذا القول عن عثمان -رضي الله عنه-، عن النبي قال: "خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ. قالَ: وأَقْرَأَ أبو عبدِ الرَّحْمَنِ في إمْرَةِ عُثْمانَ، حتَّى كانَ الحَجَّاجُ قالَ: وذاكَ الذي أقْعَدَنِي مَقْعَدِي هذا ".