لعلَّك دائمًا تبحث عن (هرمون السعادة) ليضمن لك أن يمر يومك بسعادة وهناء!
أو تسعى لأن تحصل على (التطعيم) الذي يقيك شر تقلبات الدهر؟
وربما بذلت الغالي والنفيس من أجل ذلك، وما باللقاح ضد الكورونا عن ذلك ببعيد، فكم فعلنا وفعلنا من أجل الوقاية من هذا المرض وغيره، وكم حاولنا أن ننقطع عن الأخبار المتلاحقة عنه، لكيلا نسمع عن تحوراته وتطوره، بل كم جفانا الكرى ونحن نتذكر أننا قابلنا اليوم شخصًا يعاني من السعال أو البرد!
ولكن هناك (تطعيم خاص) لا يمكننا الاستغناء عنه، بل ولا يمكن أن نهنأ يالحياة بدونه، ولا يمكننا أن نعيش بسعادة حقيقة بدونه، بل البعد عنه هو موت دون أن نشعر، فنحن أموات ومن حولنا يعتقد أننا من الأحياء!
هل تعرف أنَّ هذا (التطعيم) بين يديك؟
بل وهل تعلم أنَّك تُعرِض عنه باختيارك وإرادتك؟
ولعلي أزيدك من الشعر بيتًا أنَّ هناك من عرض عليك هذا (التطعيم) فرددته عليه ورفضته!
ولكن، هل تعرف لماذ ترفضه كلما عُرض عليك؟
لأنَّك لم تعرف حقيقته وصلاحيته، فأنت لا تتحصَّن به، ولا تجعله رفيقًا لك في أحوالك، وفي نومك ويقظتك، وفي سفرك وترحالك، بل حتى عند سكونك إلى فراشك تنساه!
ولا تعجب مما أقول، فاستمع إلى هذا الرجل الذي غفل عنه، قال: توجهت إلى بعض الدوائر الحكومية لقضاء بعض الحاجات، فقابلني أحد الموظفين وأساء إليّ، وعجبت منه، فلم أفعل له شيئًا!
إلا أنني عندما خرجت من تلك الدائرة أخذت أفكر بيني وبين نفسي، وأتساءل، ما الأسباب التي دعت ذلك الموظف ليسيء إلي؟
مع أنني لم أقترف معه ما يستحق تلك الإساءة؟
ونحن عادة نلقي اللوم على الآخرين وكأننا ملائكة لا نخطئ!
حاولت أن أجد إجابة على تساؤلي فلم أجد، ثم تذكرت قصة ذلك الرجل الصالح الذي أهانه أحد العامة، ولما همَّ أتباعه بالرد عليه قال لهم: دعوه، لا تؤذوه.
واستقبل القبلة ورفع يديه إلى السماء قائلًا: "اللَّهُمَّ اغفر لي الذنب الذي سلَّطت بسببه هذا علي".
فتفكرت في نفسي عما اقترفت فيه من تقصير، وما لم أقم به من الواجبات، فتذكرت أنني لم أصل الفجر جماعة في صباح ذلك اليوم، ولم أدع عند خروجي بالدعاء المأثور الذي روته أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي ﷺ: "ما خرج النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم من بيتي قَطُّ إلا رفع طَرْفَه إلى السماءِ فقال اللهم أعوذُ بك أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ أو أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ أو أَجْهَلَ أو يُجْهَلَ عَلَيَّ ".
لعلك أخي القارئ لم يتبين لك العلاقة بين القصة المذكورة و(التطعيم) والعلاقة بينهما قوية شديدة، فكم منا يلتزم أمر الرسول ﷺ؟
بل كم منا لسان حاله يقول: هي سُنَّة، ولن أخسر بعدم اتباعها!!
وكم منا يتحجج بأنها كثيرة وأنه ينساها في كثير من الأحيان! وكم منا... وكم منا..
والعاقل هو من يعرف قيمة هذه السُنَن العظيمة، التي بإخلاصك لله واتباعها واقتدائك بنبيه محمد ﷺ يضمن لك الله -تعالى- الكثير من الخيرات ويبعد عنك ما تخشى منه... فتابع معي بعض فضائلها وتتبع الباقي:
- روى البخاري في (الأدب الْمُفْرَد) من طريق السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: "كَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَمُرُّ بِنَا نِصْفَ النَّهَارِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَيَقُولُ: قُومُوا فَقِيلُوا، فَمَا بَقِيَ فَلِلشَّيْطَانِ".
والقيلولة هي النوم لمدة لا تزيد عن 40 دقيقة قبل آذان العصر، وهي تكسب الجسم راحة كافية، وتخفف من مستوى هرمونات التوتر المرتفعة في الدم نتيجة النشاط البدني والذهني الذي بذله الإنسان في بداية اليوم، وتعيد شحن قدراته على التفكير والتركيز، ويزيد إنتاجيته وحماسه للعمل.
- قال رسول الله ﷺ "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ ".
علَّم رَسولُ اللهِ ﷺ أُمَّتَه كيف يَتجنَّبون أذى الشَّيطانِ، وما يضُرُّهم في دُنياهم وآخرتِهم، فجاءتِ النَّصائحُ النَّبويةُ لتكونَ بمَنزلةِ قَوانينِ السَّلامةِ للمُحافَظةِ على مَصالحِ المسلمينَ، كما أخبر النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في هذا الحديثِ؛ فقال: "فكُفُّوا صِبيانَكم" فامنَعوهم من الانتشارِ ومِن الخروجِ من البُيوتِ في ذلك الوقتِ؛ لأنَّ هذا وقتُ انتشارِ الشَّياطينِ، تذهَبُ وتجيءُ مِن بدايةِ مَغِيبِ الشَّمسِ إلى ذَهابِ ساعةٍ مِن اللَّيلِ، فإذا ذهَبَت ساعةٌ مِن اللَّيلِ، فاترُكوهم، وليس المقصودُ من السَّاعةِ السَّاعةَ المعهودةَ الآنَ التي تساوي ستين دقيقةً، بل المرادُ جزءٌ من الوقتِ، وقد خَشِيَ النبيُّ ﷺ على الصِّبيانِ عند انتشارِ الجِنِّ والشَّياطينِ أن تُلِمَّ بهم فتصَرَعَهم؛ فإنَّ الشيطانَ قد أعطاه اللهُ قوةً على هذا، وقد عَلَّمَنا رسولُ اللهِ ﷺ أنَّ التعَرُّضَ للفِتَنِ مما لا ينبغي، والاحتراسَ منها أحزَمُ، على أنَّ ذلك الاحتراسَ لا يَرُدُّ قَدَرًا، ولكن لتبلُغَ النَّفسُ عُذْرَها.
والحِكمةُ في انتشارِهم حينئذٍ أنَّ حرَكتَهم في اللَّيلِ أمكَنُ منها لهم في النَّهارِ؛ لأنَّ الظَّلامَ أجمعُ للقُوى الشَّيطانيَّةِ من غيرِه، وكذلك كلُّ سوادٍ، ويقالُ: إنَّ الشياطينَ تستعينُ بالظُّلْمةِ، وتَكرَهُ النُّورَ.
وكذلك أمَر النبيُّ ﷺ بإغلاقِ الأبوابِ، وذِكرِ اسمِ الله عند إغلاقِها؛ لأنَّ الشَّيطانَ لا يَفتَحُ بابًا مُغلقًا؛ فإنَّ اللهَ لم يُعطِه القوَّةَ على ذلك، وإنْ كان أعطاهُ القدرةَ والقوَّةَ على غيرِ ذلك مِن الأمورِ، وأمَرَ أيضًا بإيكاءِ القِرَبِ، وهو شَدُّ رُؤوسِها بالرِّباطِ، وأمَرَ بتَخْميرِ الآنيةِ، وهو تَغطيتُها ولو بوضْعِ عُودٍ أو عصًا على عرْضِها، مع ذِكْرِ اللهِ عند فِعلِ هذه الأشياءِ، وأمَرَ بإطفاءِ المصابيحِ مع ذِكرِ اللهِ عند إطفائِها؛ لأنَّ المصابيحَ كانت تُضَاءُ بالنَّارِ، وكانت الفأرةُ تَنزِعُ الفتيلَ وتجُرُّه فتَتسبَّبُ في إضرامِ النِّيرانِ.
والمقصودُ ذِكرُ اسمِ اللهِ -تعالى- مع كُلِّ فِعلٍ؛ صيانةً عن الشَّيطانِ والوَباءِ والحَشَراتِ والهوامِّ، على ما ورد عند البخاريِّ في الأدَبِ المفرَدِ: "مَن قال صَباحَ كلِّ يومٍ ومَساءَ كلِّ ليلةٍ ثلاثًا ثلاثًا: بِاسمِ اللهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وهوَ السَّميعُ العَليمُ؛ لَم يَضرُّه شَيءٌ"، فذِكْرُ اللهِ هو الحِصنُ الحَصينُ من الشَّياطينِ.
والحديثُ يدُلُّ على أنَّ الشَّيطانَ إنَّما يَتسلَّطُ على المُفرِّطِ لا على المُتحرِّزِ. وفي الحديثِ: أخْذُ الحَيطةِ والحذَرُ مِن كلِّ ما يضُرُّ ".