هذه البركة من نوع خاص، ويستطيعها كل مسلم، كبيرًا كان أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى، غنيًا أم فقيرًا، عربيًا أم أعجميًا، ومع هذا فكثير منا -إلا من رحم الله- في غفلة عنه، بل ومنا من عرفه ولكن ما استجلب بركته جهلًا منه وغفلة.
والأشد حسرة وخسارة، من اعتقد أنَّه عائق عن إنجاز أعمالنا وإحراز تفوقنا، ووصولنا لمطامحنا وتطلعاتنا، فهو بلا ريب خسر خسرانًا مبينًا.
هذه البركة ذكرها الله -تعالى- في قوله: ﴿وَهـذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذي بَينَ يَدَيهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرى وَمَن حَولَها وَالَّذينَ يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ يُؤمِنونَ بِهِ وَهُم عَلى صَلاتِهِم يُحافِظونَ﴿٩٢﴾ [سورة الأنعام]، وقوله -تعالى- ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٢٩﴾ [سورة ص].
قال ابن كثير: "أي: ذوو العقول وهي الألباب، جمع لب، وهو العقل".
قال الحسن البصري: "والله ما تَدَبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إنَّ أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله ما يُرى له القرآنُ في خلق ولا عمل "
أجل هو البركة المنسية التي جهلها من جهلها، وغفل عنها من غفل عنها، فخسر بذلك خيري الدنيا والآخرة، فالقرآن العظيم كلام رب العزة -جلَّ في علاه-، امتن به على أمة محمد ﷺ وخصَّهم به، فلو أعطيناه قلوبنا واهتمامنا وشغفنا وحبنا؛ لنِلنا من الخير والنصرة والتمكين، ما لا يعلم به إلا الله.
ومما يدمي القلب أنَّ البعض يعتقد أنَّه إذا ألحق أبناءَه بمراكز التحفيظ فإنَّه يضيق الوقت عليهم، فهم بعد عودتهم من مقاعد الدراسة بحاجة للنوم والراحة، وحلقات القرآن قد تكون في هذا الوقت، لذا يمكنهم أن يحفظوه لاحقًا! فوالذي لا إله إلا هو، هؤلاء قد أساؤوا إلى أبنائهم من حيث لا يشعرون، إذ انتزعوا البركة من حياتهم وأعمالهم وأعمارهم، ثم هم بعد ذلك ينشأون وفي اعتقادهم أنَّ هناك كثير من متطلبات الحياة أهم من القرآن، بل إنَّ القرآن -في نظرهم- قد يمثل عائقًا في تحقيقها، لأنَّ أباءهم زرعوا هذا في نفوسهم من حيث لا يعلمون!
وكثير من الناس اليوم لا يعرفون القرآن إلا في رمضان، فنسأل الله السلامة والعافية، وبئس القوم الذين لا يعرفون القرآن إلا في رمضان، وقد جاء التهديد والوعيد من الله في ذلك، في قوله -تعالى- على لسان نبيه ﷺ يوم القيامة: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴿٣٠﴾ [سورة الفرقان]، وهجر القرآن أنواع، منها:
- عدم الاستماع له والتفكر في معانيه، فإذا تُليَ القرآن، انشغلوا بالأحاديث الدنيوية.
- ترك الإيمان به أو بشيء من أحكامه وأخباره، وإنكارها.
- ترك تدَّبره وتفهمه.
- ترك العمل به، وامتثال أوامره واجتناب زواجره.
- العدول عنه إلى غيره من شعر ومعازف وأغاني ولهو.
إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يرفع بالقرآن أقوامًا، ويخفض به آخرين، فواأسفًا على من هجر القرآن، وغفل عن فضله وشرفه ومكانته وبركته.
اللهم ردنا إلى كتابك وهديك ردًا جميلًا، واجعلنا من أهله.