اغتنام الأجر في أيام العشر

اغتنام الأجر في أيام العشر

-- نسيبة محمد قنصو --
-- كاتبة --

وَضَعَتْ صَديقَتي مَولودَتها الجَميلة، لا يُمكنُ لِبشريٍّ أنْ لا يُحب الأطفال، ضَمَمْتُها وشَمَمْتها بحذر، فما زالت غَضَّةً طريةً،....

-- نسيبة محمد قنصو --
-- كاتبة --

وَضَعَتْ صَديقَتي مَولودَتها الجَميلة، لا يُمكنُ لِبشريٍّ أنْ لا يُحب الأطفال، ضَمَمْتُها وشَمَمْتها بحذر، فما زالت غَضَّةً طريةً، وأنا أقول: "سُبحان الله، تَباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين، أَتيتِ إلى الدنيا يا حبيبتي، دارِ النكد، كان الله في عونك يا صغيرة"، بَكَتْ فناولتُها لوالدتها، قالت لي صديقتي زينب ضاحكة: "أبكيتها بِحديثك عن الدنيا، مازالت صغيرة على الصَّدمات"، تبادلنا الضحكات، وعينايَ تلمعانِ فرحًا بصديقتي وابنتها، قلت: "زينب، ستسمينها على اسمي، أليس َكذلك؟"

رَدَّت ضاحكة: "لا بالطبع، سَنُسمِّيها على اسم أم زوجي، حبيبتي أنتِ واحدة في حياتي لا يمكن أنْ تكون لي من اسمك نسختين".

تبسمتُ ابتسامةً صفراءَ قائلةً: "أتضحكينَ يا محتالة؟!"، وتغيَّر مجرى الكلام حيث قلتُ لها: "أَغْبِطُ هذه الطِّفلة، أتتْ لِدنيانا لا ذنب لها، وأنا مِنْ ذَنْبٍ إلى ذنب!!

زينب: عزيزتي، (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوابُونَ) [1]، خَرجنا من رمضان للتَّو، وما هي إلا أسابيع قليلة وتأتي أيام العشر من ذي الحِجَّة، اغتنمي المواسم، آه، هذا أول عام لا يَتَسَّنَّى لي فيه صوم الست من شوال.

قلت لها: يُكتَب لكِ أجرها -إنْ شاء الله-، بما اعْتَدتِ وما نَويتِ، (إذَا مَرِضَ العَبْدُ أو سَافرَ كُتِبَ لَهُ مِن العَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ) [2]، لن أطيلَ مُكوثي عندك، هل ترغبين بشيء أجلِبه لك المرة القادمة؟

زينب: "نعم، تذكرةٌ للحج، وأترك لك صغيرتي لتستمتعي بها"، قلت ضاحكةً أرد لها مكرها الأول: إنْ كان الأمر يتعلق بالحجِّ فأُمها أولى بها، آه، يا إلهي، رزقني الله وإيَّاكِ، حسنًا، بالإذن حبيبتي"، تبادلنا السلام وانصرفت، ركبتُ سيارتي وأنا شاردة الذهن، كم نرهقُ أرواحنا، أليسَ لهذه الروح حق بأخذ إجازة، قد لا أستطيع الحج، لكن أستطيع أنْ أحجَّ بقلبي إلى مليك السماوات كل ليلة.

لطالما قالت لي معلمة القرآن، أعمال المنزل لا تنتهي، فتحتُ المذياعَ على إذاعة القرآن، وإذا به يتحدث عن العشر، تبسمتُ وأحسستُ بكرم الله الذي يعطينا الفرص، (إذَا كَان ثُلُثُ الليلِ أو شَطْرُه يَنزِلُ اللهُ إلى سَماءِ الدُنيا فيقولُ: هل من سائلٍ فأُعطيَه، هل من داعٍ فأستجيبَ له، هل من تائبٍ فأتوبَ عليه، هل من مستغفِرٍ فأغفرَ له، حتى يَطْلُعَ الفجرَ) [3]، و(الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ) [4]، والعشر التي سأقبل عليها والتي (ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ) [5]، عروضُ تكفيرِ الذُّنوبِ كثيرةٌ عزيزتي، لكن! العتب على من لا يغتنم، أتذكرين قبل رمضان كيف طُفتِ بالأسواق، وسَعَيتِ من مركز تجاري لآخر تغتنمين العروض؟!

عدتُ أنصت للشيخ بأُذُن قلبي، وأنا عازمة على اغتنام العشر، والدعواتُ والأمنياتُ تزاحمُ عقلي، أحاولُ نَظْمها ليومِ عرفة، أليسَ (خَيْرُ الدُعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَة) [6]، آن للروحِ أن تَسْتَجِم قليلًا، انتهى حديثُ الشيخ، ودخلتُ منزلي ولا زالت صورةُ الطفلةِ تراودني، يُذكِّرني غطاؤها الأبيض الناعم بالمُحْرِمين هناك، يطوفون بيتَ الله، منظرٌ كلهُ هيبةٌ ووقار، وتذكِّرني نعومةُ خَدَّيها بحديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) [7].

(1) أخرجه الترمذي.

(2) مجموع الفتاوى.

(3) أخرجه ابن أبي عاصم.

(4) صحيح مسلم.

(5) تخريج المسند.

(6) رواه الترمذي.

(6) رواه الترمذي.